إن غسل أعضاء الوضوء في اليوم خمس مرات دليل على أن الإسلام جاء بما ينشط البدن وينظفه، كما جاء بما يطهر الروح ويزكيها. فهو دين الطهارة الحسية والمعنوية. من كان مسافرا ولم يصل المغرب والعشاء فأدرك العشاء خلف إمام مقيم فالمختار أنه يصلي المغرب وحده، فإذا صلاها دخل معه في بقية العشاء، وذلك لاختلاف النية؛ فإن المغرب والعشاء متفاوتان بينهما فرق في عدد الركعات. هذا الذي نختاره. وأجاز بعض المشائخ أنه يدخل معهم بنية المغرب، فإذا صلوا ثلاثا فارقهم وتشهد لنفسه وسلم، ثم صلى العشاء، ولكل اجتهاده إذا كان عقل المريض معه وفهمه وإدراكه فإن الأوامر والأحكام الشرعية تنطبق عليه، ويكلف بالصلاة والصوم والطهارة ونحوها بحسب القدرة، ويجوز مساعدته على الطهارة إن قدر على غسل أعضائه، فإن عجز عن استعمال الماء في أعضائه وشق غسلها عليه عدل إلى التيمم، فإن عجز فإن المرافق يقوم بذلك بأن يضرب التراب فيمسح وجهه وكفيه مع النية. الدين الذي في ذمة من هو قادر على الوفاء يزكى؛ لأنه بمنزلة الأمانة عنده، ويقدر صاحبه أن يأخذه ويتحصل عليه متى طلبه، وأما الدين الذي عند معسر أو مماطل ولو كان غنيا، فإن صاحبه لا يقدر على الحصول عليه، ولو طالبه قد يدعي الإعسار والفقر، فمثل هذا المال كالمعدوم، فلا زكاة عليه إلا إذا قبضه عيادة المريض سنة مؤكدة، وقد رأى بعض العلماء وجوبها. قال البخاري في صحيحه: باب وجوب عيادة المريض. ولكن الجمهور على أنها مندوبة أو فرض على الكفاية، وقد ورد في فضلها قول النبي صلى الله عليه وسلم: "إن المسلم إذا عاد أخاه المسلم لم يزل في خرفة الجنة حتى يرجع" رواه مسلم. (الخرفة: اجتناء ثمر الجنة)
تفسير كلمة التوحيد للشيخ محمد بن عبد الوهاب
90676 مشاهدة
الذبح لغير الله تعالى

...............................................................................


ثم يقول: ومن ذبح لغيره فقد كفر.
الذبح: هو التقرب بذبح الحيوان؛ فإنه عبادة. قال الله تعالى: فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ فالصلاة أعظم العبادات البدنية، والنحر أعظم العبادات المالية، جمع بينهما، وقال تعالى: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ جمع الله -أيضًا- بينهما، صلاتي -يعني- هذه الصلاة، ونسكي -يعني- ذبحي. النسك: الذبح كما في قوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ -يعني- أو ذبح. فالذبح يكون قربة إلى الله تعالى وطاعة.

ذكر العلماء أن الذبح ينقسم إلى أقسام، أفضله:
الذبح لله. كالهدي والأضاحي وذبح الصدقة -ذبح الشاة ونحوها كصدقة- لإطعام المساكين؛ مع ذكر اسم الله عليها، وكون الذابح مسلما، وذبحها بآله حادة ما يقطع بها المريء والوجدين والحنجرة، فهذه من أفضل اللحوم، وأفضل القربات وفيها أجر.
القسم الثاني: الذبح للحم مع ذكر اسم الله. إذا ذبح الشاة للحم من أجل أن يأكلها، أو يطعم ضيفا نزل به، فهذا ذبح مباح إذا سمى وتمت الشروط، فهو ذبح العادة، أباح الله -تعالى- أكل لحوم هذه البهيمة وجعلها من نعمه في قوله تعالى: وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ .
النوع الثالث: الذبح لله؛ ولكن يذكر عليها اسم غير الله كالذي يذبح هديًا، أو يذبح شاة للحم؛ ولكن يقول: باسم المسيح أو باسم ابن علوان أو باسم البدوي أو ما أشبه ذلك، فهذا قد ذكر عليه اسم غير الله فيكون محرما؛ لقول الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ بعد قوله: فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ فيكون هذا ذبحا حراما لا يحل أكله.
القسم الرابع: الذي يذكر عليه اسم الله؛ ولكن يذبح لغير الله، فإذا أتى إلى قبر ولي وذبح عليه؛ ولو قال: باسم الله. كالذين يذبحون عند قبر الحسين أو عند قبر يقولون أنه قبر علي في النجف أو ما أشبه ذلك، أو يذبحون عند شجرة، أو عند عين أو ما أشبه ذلك؛ فإنهم وإن سموا عليه لا يحل، وكذا لا يذبح للجن.
يذكر بعض الإخوان أن كثيرا عندما ينزلون في مسكن يذبحون عند عتبة الباب، بعضهم يذبح شاة، وبعضهم يذبح دجاجة، ثم يذبحها ويسمي الله عليها؛ ولكن يقول: إنها ذبيحة لإخواننا من الجن حتى لا يؤذوننا؛ وحتى لا يشوشوا علينا أو يدخلوا في منزلنا، فيكون هذا ذبحا لغير الله، فيدخل في الشرك -يعني- ما يحلها كونهم قالوا عليها: بسم الله.
كذلك أيضا قسم خامس -وهو أشدّها- إذا ذبحها عند القبر، أو عند الشجرة، أو عند قبر الولي، وذكر عليها اسم الولي. إذا قال عند الذبح: باسم شمسان باسم زيد أو باسم المسيح أو باسم الجيلاني أو ما أشبه ذلك؛ فإن هذا ذبح لغير الله، فهو حرام. وهذا يقع كثيرا.
في قصيدة الصنعاني التي أرسلها إلى نجد والتي يقول في أولها:
سلام على نجد ومن حـل في نجـد
وإن كان تسليمي عن البعد لا يجـدي
إلى أن قال:
قفي واسـألي عن عالم حل سوحها
به يهتدي من ضل عن منهج الرشد
وقد جـاءت الأخبـار عنه بأنــه
يعيد لنا الشرع الشريف بما يجـدي
وينشر جهرا ما طـوى كـل جاهل
ومبتـدع منه فـوافق مـا عنـدي
إلى أن قال:
أعادوا بهـا معنـى سواع ومثله
يغوث وود بـئس ذلـك مـن ود
وكم عقروا في سوحها مـن عقيرة
أهلت لغـير الله جـهرا على عمد
وكم طائـف حـول القبـور مقبل
ومستلم الأركان منهـن بـالأيدي
يصف ما يعبد هناك في صنعاء وفي اليمن وما حوله، أنهم أعادوا بها معنى سواع الذي هو معبد لقوم نوح ومثله يعوق وود الأصنام التي ذكرها الله.
وكم عقـروا في سوحها مـن عقيرة
أهلت لغـير اللـه جهرا على عمد

في سوحها يعني: في ساحاتها، فيدل على أنها أهلت لغير الله، فتكون حراما، داخلة في قول الله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ الإهلال: هو رفع الصوت عند الذبح. فإذا قالوا عند الذبح: باسم المسيح باسم ابن علوان باسم الجيلاني أو ما أشبه ذلك فقد أهلت لغير الله.
ولا شك أن هذا شرك؛ لأنه تعظيم لذلك المسمى، وتعظيم لصاحب القبر الذي ذبحت عنده، وتعظيم للجن الذين ذبح باسمهم، أو ما أشبه ذلك، فمن فعل ذلك فقد كفر.
وقوله: من ذبح لغير الله فقد كفر.
أي: عمل كفرا؛ وذلك لأنه مشرك ومستحق للوعيد، وفي الحديث لعن الله من ذبح لغير الله في صحيح مسلم عن ... في كتاب التوحيد، وفي مسند الإمام أحمد قصة الرجل الذي دخل النار في ذباب، لما أتى على قوم لهم صنم لا يتجاوزه أحد حتى يقرب إليه، فقالوا له: قرب. قال: ما عندي شيء أقرب. قالوا : قرب ولو ذبابة. فقرب ذبابة، فخلوا سبيله فدخل النار. أراد بذلك تعظيم شأن صنمهم، فدل على أن كل من تقرب إلى مخلوق بالذبح له؛ ولو عصفورا أو نحوه دخل في هذا الوعيد.